صراحة أم وقاحة

الكلمات القاسية والانتقادات الجارحة هي سهام تصيب القلوب بطعنات مسمومة فتقتل فيها الحب والثقة والأمل… ليت الناس يراقبون كلماتهم قبل أن يقذفوها في وجوه ضحاياهم! ليتهم يعلمون أنه ليس من الضروري أن يقولوا كل ما يجول في خواطرهم فمشاعر الناس ليست مجالاً لاستعراض آراءهم الخاصة وأذواقهم الشخصية.

غريب ألا يكترث الانسان بكونه يثير حزن الآخر، محيّرة تلك الأنانية التي تجعل صاحبها يخاف على مشاعره هو وحده فقط بينما يدوس على قلوب الناس يمينا وشمالاً. ألا يعلم أن سهام الأذى ستعود حتماً لصاحبها؟ ألا يعلم أن قانون الضربة المرتدة لا يخطئ، فما يلقيه من أفعال وأقوال سيعود إليه حتماً؟ فإن كان لا يراع شعور الناس، ولا يلقِ بالاً لحجم الدمار النفسي الذي قد تخلفه كلماته أو تصرفاته فلينتظر ليجرب بنفسه مرارة جرح المشاعر وامتهان الكرامة فالقصاص قادم لا محالة.

الكل يرجوا لنفسه الرحمة والرفق بمشاعره والحرص على معنوياته، ولكن من نفس هؤلاء يخرج من لا يتردد للحظة برشق الكلمات اللاذعة في وجوه الآخرين وهو من يخاف على نفسه من نسمة الهواء أن تخدش مشاعره الغير حساسة إلا على نفسه.

ولكل من يقول رأيه بفظاظة مغلفة بمسمى الصراحة ويعرف نفسه بأنه إنسان صريح ( والذي في قلبه على لسانه) نقول له إن الصراحة ليست مرادفاً للوقاحة. وحتى إن كانت نيتك صادقة بهدف التوجيه والإصلاح فليس المطلوب منك سوى أن تنتقي كلماتك فواجب مراعاة شعور الناس لا يسقط عنك بأي حال.

ارحموا نفوساً أرهقتها كلماتكم الخشنة التي تقسو معها الحياة. احذروا الندبات التي تزرعونها في قلوبهم فهي دَينٌ عليكم ستسددونه ولو بعد حين..

كل الودائع تعود لأصحابها فانظروا جيداً ماذا تودعون في قلوب الناس.

 

 

 

الخذلان

Stab in the back | Pre-Designed Illustrator Graphics ~ Creative Market

 

 

الخذلان هو تلك الصفعة المسننة بأشواك الغدر والجحود التي تغرز سمومها في قلبك فينزف قهراً وألماً على مشاعر ما كان لها أن تُعطى لمن لا يستحق.. على الثقة بمن لا عهد له.. على وقت وجهد واحسان بُذل في غير موضعه.

تكتشف أنك تحمست أكثر من اللازم، وأن اندفاعك قد أودى بك إلى هاوية الخذلان.. تتساءل كيف يمكن لأحدهم أن يلبس ثوب التمساح فيراوغ ويخدع ويمكر ثم يغدر بمنتهى السهولة.

تكتشف أنك بسذاجتك كنت تعيش بمخيلة المدينة الفاضلة رغم ادعائك أنك فطين ونبيه ولديك وعي كامل بتفاوت نسب الخير والشر عند كل إنسان تتعامل معه، إلا أنك كنت في الحقيقة لا ترى إلا الجانب الملائكي من الناس وتبالغ في اللهفة حتى تأتيك الصفعة التي برغم قسوتها فيها جانب خفي من الرحمة فهي تأتيك لتعيد لك اتزان أحكامك بدلاً من مكوثك للأبد في خانة المغفلين. ولكن الدروس القيمة لا تقُدم مجاناً، بعضها يُمنح لك بعد أن تزلزل الأرض من تحت قدميك.

وماذا بعد؟……. تألمت وتعلمت ثم؟

خواء وضياع وقهر وآلاف الأشواك التي تحتاج أن تقتلعها من قلبك حتى يعود بخير.

ولكن تمهل، لا يمكن لك أن تعيش في قتامة الأيام والنحيب على مشاعرك النبيلة التي لم تحظى بالتقدير متناسياً أن الله سميعٌ عليم، وأن الحسنة لا تضيع عنده، وأن الخير سيُرد إليك حتماً، وأن الله ليس غافلاً عما يعمل الظالمون.

فلا تنكسر مهما حصل! تماسك واستعن بالحي الذي لا يموت ولا يتغير ولا ينسى ولا يتجاهل… ثق بعدالته، اطمأن لرحمته، انتظر فرجه بيقين لتعيش روعة الشعور بالنصرمن عنده دون أن تورط نفسك بحماقة تصرفات غير محسوبة وتنزلق في صراعات تخسرك جزء من كرامتك.

أبرياء مرهونين بمزاجك

لكل انسان طريقة استجابة مختلفة لظروف حياته. منهم من يتمتع بمرونة وصبر يجعلانه يترجم أحداث حياته بشكل عقلاني يميل إلى الإيجابية، ويتجاهل المنغصات متعمداً حرصاً على صحته النفسية، فيحاول الإبقاء على مزاجه بحالة جيدة ويتجاوز بذكاء ما قد يعكر صفوه لو أنه ركز فيه.. ومنهم من هو على النقيض، فهو يتحد مع المشاكل ضد نفسه ويركز مع السلبيات ليزداد تعاسة.

إن كنت بطبيعتك شخص متوتر وتحمل نفسك الكثير من الهموم وترهق عقلك بالقلق نقول لك توقف لحظة وفكر ملياً، فأنت تجعل حياتك عبارة عن فصول متتالية من مسرحية مأساوية ما إن ينتهي فصل كئيب حتى يأتي آخر وذلك لأنك تتفاعل بسلبية مع أحداث حياتك وتبالغ في القلق والتشاؤم بينما أيام عمرك تمضي والحياة تسير والواقع يتغير باستمرار فتتغير معه الأولويات، وما كان يعنيك بشدة ويشغل عقلك قد يصبح فيما بعد شيئاً عديم الأهمية! ولكن أنت تبقى أنت.. تركز دائماً في التفاصيل لتزداد غضباً، وليتك تركز في التفاصيل بحثاً عن الأفضل، بل إنك تبحث عن النواقص والعيوب والعقبات لتستمد منها أسباباً إضافية للتذمر والشكوى والإحباط.. ويالها من مأساة إن كان لمسرحيتك الكئيبة مشاهدين أبرياء مضطرين لحضورها والتأثر بها، وهم عائلتك وأحبائك! احذر من أن تكون مسؤولاً عن تعاستهم، وان تزرع روح اليأس والتشاؤم في نفوسهم، أو تجعل حياتهم عرضةً لتقلبات مزاجك، فتصبح كالبحر الهائج بدوّامات انفعالاتك بدلاً من أن تكون لهم بر الأمان.

كم هو ذكي من يكن سلساً ومتفائلاً.. من يصر على أنه بخير.. من يخفف من وطأة المشاكل ويعرف كيف يواسي نفسه مقللاً من شأن الضغوط.. من يتحرى أسباب السكينة والسلام لتنعم بها نفسه.. من يثق بقوة إرادته لتخطي أي مشكلة.. من يفهم أن طريقة استجابته للمشاكل تؤثر على نفسيته ونوعية حياته أكثر من المشكلة ذاتها فيعمل على تقوية مناعته ضد الإحباط والاكتئاب بقوة إيمانه، من يبحث عن الخير في كل شيء حوله، من يكن مصدر طمأنينة لعائلته والمسؤولين منه لأنهم يستمدون قوتهم من قوته واتزانه.

ولمن يقول سأكون سلساً ومتفائلاً عندما أتخلص من الضغوط في حياتي نقول له أنت تشترط ان تعيش في جنة على الأرض لا ضغوط فيها ولا معكرات حتى يتحسن مزاجك! تأكد أنه ما من حياة في هذه الدنيا دون معكرات وتحديات وضغوط مهما بدت لك حياة أناس آخرين مثالية وسعيدة. وتذكر أنك لن تكسب شيئاً من شخصيتك المتوترة سوى عقل مرهق وجسد قد تتناوب عليه الأمراض. ولا يخفى على أحد دور الضغط النفسي والتوتر في التأثير سلباً على صحة الجسم وبالتالي على نوعية الحياة. وبإجراء مقارنة بسيطة بين إنسان حريص على صحته النفسية والجسدية وبين آخر يتفاعل بسلبية شديدة مع أحداث حياته، سنفهم تماماً كيف يمكن لإنسان أن يسهل حياته وحياة من حوله أو يعقّدها.

الحياة لا تنتظر أحد، وعمرك واحد لا تدري متى ينقضي فاحرص على أن يكون مثمراً ينفعك وينفع الآخرين. قرر من الآن ألا تهدر حياتك بالقلق والوقوف على التوافه من الأمور وانظر دائماً أمامك بدلاً من أن تركز في عثرات الطريق… ولا تنسى مسؤوليتك في تجنيب عائلتك لمسببات التعاسة. ومن هنا نقول لك احرص على مزاجك! لا داع لأن تعكره لأتفه الأسباب وتتذمر من التفاصيل الصغيرة التي بإمكانك جعلها تمر بسلام لو أنك كنت أكثر مرونة وسلاسة… قم بإعادة تصنيف الأمور وضعها في مكانها الصحيح.. لو كنت فعلاً تحب الخير لنفسك وأحبائك لوجب عليك الحرص على مزاجك وعدم السماح للمشاكل الصغيرة باستفزاز أعصابك…. استرخ، اهدأ، ارفع معنويات نفسك بنفسك.. عزز شعورك الإيجابي بعادات تجعلك تشعر أنك أفضل.

أسرار النفوس

لكل نفس آلام لا يسمع أنينها أحد.. تسري في النفوس دون ضجيج، تحيط بها بسرية وكتمان.. فليست كل المشاعر علنية، وليس كل ما يدور في نفس الانسان ظاهر.

منها ما يكون خفيف الأثر ولا يعيق الحياة، ومنها ما يكون أشد وأقسى.. ذلك الألم الذي يمزق قلب صاحبه فيشعر نفسه أسير أحزانه ويشفق على نفسه مما هو فيه.. يتمنى لو كان بإمكانه الحصول على إجازة من الحياة بكل متاعبها وصعوباتها ليعود أكثر توازناً وتماسكاً.. ولكن هيهات فمن يغادر الدنيا لا يعود.. وهو لا يريد الموت، إنه يريد الحياة المطمئنة لينجز وينجح ويتميز ثم يرحل في أوانه راضياً مطمئناً. يريد أن يدرك يقيناً أن الدنيا لا تزال بخير وأن الفرج آتٍ وأن آلامه ليست مجانية عبثية بل هي معبر لا بد منه للانتقال من الضيق إلى الفرج… يريد أن يكون قوياً لا مستضعفاً في الأرض.. عزيزاً غير مهان، منتصراً غير مغلوب، معافى غير مبتلى.

حتى من بين الناس الذين يُنظر إليهم كسعداء وذوي حظ وافر، تجد من يتألم بصمت على أمور لا يعلمها أحد سوى صاحبها. إنها أسرار النفوس، ولا يدري حقيقتها إلا خالقها.. وما زلنا نأخذ بالظاهر ونتطلع إلى أحوال الآخرين على أنها الصورة المتكاملة الجلية ولا نعلم أن كل نفس فيها أدغال من المشاعر المكتومة.. وقد تكون عصية الفهم حتى على صاحبها فيحتار في حقيقة ذاته.

وليس بالضرورة أن تكون أسباب الحزن قوية أو حتى منطقية، فقد يحزن البعض لأسباب قد يجدها غيرهم واهية جداً، ولكنها بكل الأحوال تشقي صاحبها. فلا تستهن بألم أحد مهما بدى لك دون مبرر. فكل إنسان أسير أفكاره ومشاعره وذكرياته.. وكما تختلف ظروف الناس، تختلف أفكارهم وطريقة رؤيتهم للأمور.. ولكن البعض يضيق ذرعاً بشكاوى الآخرين ويعتبر نفسه صاحب الهم الحقيقي وغيره متذمر وباطر وآلامه ليست سوى تذمر المترفين.

لست وحدك تتألم، الجميع يتألم بدرجات متفاوتة. ومهما كانت أسبابك للحزن كبيرة، فالله أكبر من كل هم وحزن ومن كل شيء في الوجود. إنها كلمات نرددها دون أن ندرك معناها.. الله أكبر مما يشقيك، وهو الرحمن الرحيم الذي يعلم ما يدور في نفوسنا ويقول في كتابه العزيز: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).. فلا يرهبك الحزن ولا يجزعك الألم، توكل على الله وافتح نفسك للأمل وصمم على النجاة بنفسك من براثن الأحزان.

وكعادتنا، نجد في كتابات الراحل مصطفى محمود ما يثري موضوعاتنا بكلمات عميقة ناتجة عن عقل فذ ما تعب من البحث عن الحقيقة.. يقول الكاتب الراحل: (كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة والعناية والرعاية.. لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر، “إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم”.. حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثاً.. وإنما هو مؤشر وبوصلة تشير إلى مكان الداء وتلفت النظر إليه. ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض، وألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك، وألم الروح يلهمك ويفتح آفاقك إلى إدراك شامل. وبالألم ومغالبته والصبر عليه ومجاهدته تنمو الشخصية وتزداد الإرادة صلابة وإصرار، ويصبح الانسان شيئاً آخر غير الحيوان والنبات).

كل إنسان يقيّم أحوال الدنيا من زاويته الخاصة ووجهة نظره الضيقة هو إنسان مغيّب عن الحقيقة. فكلما أدركت أنك لا تدري، وأنه من الصعب إطلاق الأحكام لأن الخبايا أكثر من الظواهر، اتسع أفق تفكيرك ووجدت في نفسك السماحة والميل لتجنب الأحكام القاطعة والاستنتاجات المتسرعة.

نحن فعلاً لا نعرف إلا اليسير من الحقائق، والجزء الغالب في محض الغيب. افتح عقلك على احتمالات عديدة خفية عنك بدلاً من أن تفزع لما تراه يجري حولك، واطمأن لعدل الله الخفي.

احترم أسرار النفوس، أدرِك قصور عقلك عن فهم الحقيقة كاملة.. ركز على ذاتك وغالب الألم بالأمل ولا تستلم أبداً لأحزانك.. واعلم أنه بإرادتك تحقق سعادتك.

 

لانا حمزة

فجر طاقاتك الكامنة

لستَ هَيّن الشأن، لقد كرمك الله وجعلك أسمى المخلوقات… لا تقلل من شأن ذاتك فلديك طاقات كامنة إن تمكنت من التعرف عليها واستغلالها لوجدت في نفسك ما يثير دهشتك قبل الآخرين.

إننا متفردون بلا أدنى شك، لا أحد منا يطابق الآخر… لكل منا مفتاحه الخاص للإبداع، منهم من يعثر عليه ويعيش ناجحاً ومتميزاً، ومنهم من لا يكتشفه أبداً فيبقى إبداعه كنزاً دفيناً يموت مع موت صاحبه.

يقول الكاتب والمفكر الكبير الراحل مصطفى محمود: (ليثق كل واحد أن تحت مظهره العادي.. بذرة.. في مكان ما.. بذرة عبقرية.. عليه أن يبحث عنها ويكتشفها.. وسوف يكون كل شيء ممكناً بعد ذلك).

ويقول في موضع آخر: (نحن في العادة نموت قبل أن نكتشف مواهبنا وقبل أن نتعرف على مميزاتنا… نموت بحسرة أننا أناس عاديون).

وهكذا يمضي الانسان عمره وهو يستهلك أيامه هدراً، فالبارحة كاليوم كالغد… وقت مهدور، ومؤهلات عقلية معطلة، وإبداع مدفون في نفس صاحبه.

يتمتع الانسان بملكات عقلية هائلة واستعداد فطري للإبداع، ولكن المشكلة تكمن في تجميد الانسان لعقله وحجب الحقائق التي تفتح أمامه آفاق المعارف واكتساب الخبرات وتعينه في مسار حياته.. إنه يعطل عقله ويستنزفه في لا شيء! يغرق في دوامة الحياة ومشاكلها ولا يلتفت لنفسه ليكشف النقاب عما يميزه ويصقل جوهره.

لا شك أن التحديات التي تواجه الانسان وتعرقل طموحاته وتعيق إنجازاته وتسحب حماسه كثيرة، ولا مهرب من الاعتراف بأن الظروف المحيطة بالإنسان تلعب دوراً كبيراً في تعطيل ملكاته.. ولكنها الإرادة مجدداً تظهر لنا كخيار حتمي لا بديل عنه إن أردنا تحقيق ذواتنا بالشكل الذي نتمناه ونطمح إليه.

انظر إلى نفسك، أنت بذاتك معجزة من صنع الخالق المبدع، لقد ميزك الله عن سائر المخلوقات الحية بالفكر الإبداعي، فالإنسان لا ينجز مهامه باستعداد غريزي جامد لا يتطور ولا يتغير مهما مر من الزمن، بل هو يضيف ويبتكر ويغير ويعدل حتى يرتقي بإنجازاته وأعماله إلى أرقى المستويات.. انظر ماذا فعل العقل البشري في الأرض على مر العصور! إن كل ما يقدمه لنا الطب والأدب والتكنولوجيا وسائر العلوم والفنون من خدمات وفوائد وتسهيلات ومتع هي من نتاج عقول أُطلق لها العنان لتبدع بطريقة ما! إنها عقول لم تتجمد بالاكتفاء بالمعلومات المكتسبة ولم تقف عند حد التلقي، بل اجتهدت وبحثت حتى أبدعت وأثرت في حياتنا جميعاً. ما خاب من أدرك القيمة العظيمة لنعمة العقل واستثمرها للبناء وليس الهدم، فأخلص في عمله وأتقنه وساهم إيجاباً في حياتنا.

فكر ملياً ماذا تفعل بنفسك؟ وكيف تستفيد من قدراتك العقلية؟ كيف تدير حياتك؟ كيف تستثمر وقتك؟… إياك أن تهدر طاقاتك دون استغلال هادف، فإن كنت عديم الحماس لبذل الجهود في سبيل اكتشاف مكامن قوتك وتحسين حياتك وحياة الآخرين فأنت ميت في صورة حي، تعيش لتأكل وتنام وتتذمر، فقد اخترت لنفسك أن تكون بلا إرادة.

الحياة ليست سهلة، والنجاح والتميز والإنجازات المهمة لا تتحقق دون تعب واجتهاد ومثابرة… انهض من فراش التذمر والتباؤس، وارتدي حلة المحارب لتقهر قسوة الظروف وشراسة العقبات… في كل مرة تخوض معركة ضد السلبية والتكاسل سوف تكتشف في نفسك مكامن قوة لم تكن تعهدها قط… فكك رموز إبداعك الخفي، وتعرف على كنزك الدفين… و(فجر طاقاتك الكامنة).

 

لانا حمزة

 

الفرح المذموم

كما يتعجل بعض الناس في إطلاق حكم شمولي اعتماداً على ظروف راهنة، ويغلبهم اليأس والإحباط ويبدؤون في التذمر من الظلم وغياب العدالة وكأن الحقيقة كلها تكمن في هذا الإطار الضيق الذي ينظرون من خلاله، يتسرع بعضهم إيضاً في استجابته للأحداث الراهنة ويطلق العنان لشر نفسه لتأخذه نشوة الفرح المذموم… وهو الشماتة ببلايا الناس.

والعجيب في أمر الشماتة أن يفرح الإنسان في عافيته مقابل ابتلاء غيره، متناسياً أنه لا يمتلك الحصانة من تقلبات القدر وأحداثه الفجائية.. وأن ما يحصل لأحدهم اليوم قد يحدث معه غداً!! وللأسف الشديد، فالانقسامات الفكرية والاختلافات الشخصية قد تجعل الشماتة متصدرة قلوب المختلفين، فكل بلاء ينزل على الطرف الآخر هو مصدر سعادة وبهجة وارتياح لمن يخالفهم، حتى لو كان هذا البلاء يحصد أطفالاً أبرياء لا ذنب لهم، أو يتسبب في حدوث كارثة إنسانية على جميع المقاييس.. والضمير الانساني لهؤلاء الشامتين غارق في سُبات تام، وكل طرف يظن أن له مبرراته التي تسوغ له الرقص على آلام الآخرين.

كلنا نحتاج لحماية أنفسنا من الصدمات والانكسارات وكل ما يجرح القلب ويؤذي الشعور… وفي ظل خوفنا الدائم على مشاعرنا قد نغفل عن الالتفات لمشاعر الآخرين… قد نتهاون في ضبط أفكارنا وإعادة توجيهها للمسار الصحيح! فعلى كل منا أن يصلح سريرته، وألّا يمكِّن الغل والحقد من نفسه، علينا أن نسعى لتطهير قلوبنا من كل المشاعر الخبيثة التي تقتل إنسانيتنا وإحساسنا بالآخر.

ما من أحد لم يجرب مرارة الحزن ولو بدرجات متفاوتة… منهم من يرتقي به الألم ليشعر بمعاناة الآخرين فيخرج من محنته سالماً وظافراً برضا الله ونصره، ومنهم من ينحط به لدرجة الغل والحقد والكراهية وتمني زوال النعم لغيره حتى يرتاح ويشعر بالتساوي مع الآخرين بتفكيره القاصر، ولن يزداد بنيته إلا خسارة.

تجمعنا هنا بحثاً عن السعادة، ولا يمكن لأحدنا أن يشعر بالسعادة ما لم يحدث التناغم والتوافق بين باطن الانسان وظاهره، بين سريرته وعلانيته، بين ضميره وأفعاله… فيتحقق بذلك الرضا الذاتي والسلام الداخلي. فصاحب القلب النقي يتوقع الخير لنفسه لأنه مطمئن لسلامة نيته ومستبشر برحمة ربه به.

فهنيئاً لأصحاب القلوب النقية… الذين يتحرون أسباب النجاة والعافية والرزق دون الالتفات لغيرهم بالحقد على أصحاب النعم، أو الشماتة بأصحاب الابتلاء. إنهم متصالحون مع ذواتهم ويعلمون أن الحكمة الإلهية تقود هذا الكون، وأن دورنا هو أن نمضي في طريقنا بثبات على الحق وتمسك بقيم الخير لا أن نتهاوى في غابات التنافس الدنيء الذي يوهم المرء بأن نجاحه مرتبط بفشل الآخرين… ولا ننسى أن الأيام دول وأن أعمالنا ترد إلينا، فلا نفرح بما يسيء غيرنا ولا نستهين بآلام الآخرين.. وكما يقول بيت الشعر         (وقل للشامتين صبراً فإن نوائب الدنيا تدور  …  إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم).

لانا حمزة

الخصوصية.. والحدود الشخصية

صورة

لكل انسان حدوده الخاصة التي يُمنع اختراقها، فهو يتمتع بسيادته لنفسه ولا يحق لأحد استباحة خصوصياته. إنه حر، خلقه الله حراً… ولا يحق لأحد التسلط عليه إلا بحدود التوجيه والرعاية والإصلاح والمجادلة بالتي هي أحسن.

إنه يمتلك حق التعبير عن نفسه واختيار تفضيلاته وفقاً لميوله وتطلعاته دون إلحاق الأذى بالآخرين.

عندما يفقد الانسان حريته ويفقد القدرة على التصرف وفق تفضيلاته، يشعر بالانكسار والأسى على كرامته المهدورة. فأين الكرامة وهو مسلوب الإرادة؟ أين قيمته كبشر خصه الله بالعقل الكلي والقدرة على الاختيار ثم يجد من يسلبه هذا الحق؟

ورغم أن مقولة عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحراراً) لا زالت تتردد في أسماعنا إلى الحين، وجميعنا يتغنى بها فخراً وإعجاباً، إلا أن استعباد الناس لا يزال مستمراً بأشكال كثيرة، والكل يمسك بالسوط ليجلد به الآخرين، مرة بالتدخل السافر في الشؤون الشخصية، ومرة بالتسلط وفرض الرأي عنوةً، ومرة بإستضعاف من لا حيلة له وامتهان كرامته، ومرة بتصنيف الناس وفقاً لمعايير عنصرية…. والأمثلة كثيرة، وقليلٌ من يتعظ.

ولمن يقول أن الحرية تشكل خطراً على المجتمع عندما تفقد البعد الأخلاقي، نقول لهم أن الحرية التي لا تراعي القوانين الأخلاقية هي في الحقيقة ليست حرية، إنما انحلال وفساد… إنها شيء مغاير تماماً للحرية بمفهومها الإنساني السليم. ولكن المشكلة تكمن في أن الاعتبارات الأخلاقية تتباين بشدة بين البيئات الاجتماعية المختلفة! حتى إنها تختلف بين أسرة وأخرى، وبين فرد لآخر. وهنا الطامة الكبرى، عندما يقيس الانسان تصرفات الآخرين بحسب قاعدته الأخلاقية الخاصة، وقناعاته الشخصية، ويمنح نفسه حق الحكم عليهم وتصنيفهم بل والتسلط عليهم إن أمكنه ذلك. وتبدأ المشاكل بالتفاقم بين الأفراد والمجتمعات لسبب يعود إلى عدم ترك المرء لما لا يعنيه وإصراره على اقتحام خصوصيات الآخر.

هناك من يتخذون انتقاد الآخرين هواية لهم ولا يكلفون أنفسهم عناء التفكير في ثغراتهم ونواقصهم قبل أن ينشغلوا بالحكم على الآخرين بمنطق مثالي وأخلاقيات رفيعة لا تمثلهم! فكم من الناس تعجبك أقوالهم وتصدمك أفعالهم؟ إنها الأفواه الكاذبة التي تتشدق بمبادئ لا تطبقها، وتدعي أخلاق لا تملكها… إن الرغبة في التجمل الزائف أمام الناس تجعل صاحبها جاهزاً للنفاق، فغاية كسب القلوب والإعجاب والتصفيق تبرر التشدق بأخلاقيات ما كانت يوماً حيز التطبيق! ولا زلنا ننبهر ونصفق للأخلاقيات الشفهية دون أن يكون لها مكان في أرض الواقع. وكان الحري بنا أن نحترم من يلتمس الأعذار للآخرين، وينئى بنفسه عن اصطياد عيوبهم والمجاهرة بها، ويطبق المبادئ التي يؤمن بها بالفعل دون الحاجة إلى استعراضها بالكلام.

الله منحك الحياة، إنها اختبارك وامتحانك الذي ستجزى عليه، فحافظ عليها وعشها كما تريد بالخير والحق والإحسان.. تمسك بحريتك ولا تسمح لأحدهم بسلبها منك، واحترم حريات الآخرين… احرص على سعادتك وإياك أن تسلب سعادة الآخرين بالتسلط والتحكم المذموم. فالكبت يولد الانفجار، وكثرة النقد تولد النقمة والنفور. والكلام في هذا المجال يذكرنا بقول الكاتب المبدع الراحل مصطفى محمود: (لابدّ من احترام المسافة التي تحفظ لكل فرد مجاله الخاص وكينونته الخاصة كإنسان مستقل له الحق في أن يطوي ضلوعه على شيء). فحلق وأبدع في مجالك الخاص، واحترم مجال الآخرين.

لانا حمزة

التعامل الحكيم مع الكرب والهموم

%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84

كثيرة هي مشاكل الحياة وهمومها.. منها مايكون هيناً وقابلاً للحل أو التجاهل، وآخر يكون شديد الوطأة على النفس فيشعر الانسان بحاجةٍ ملحة إلى النجاة بنفسه من حلقة الضيق التي تشد وثاقها حوله وتجعله غارق في الهم والكدر.

تتردد دائماً أمامنا نظريات التفكير الإيجابي ونسمع كثيراً عن حلول لتحقيق السعادة في الحياة ولكن كيف السبيل إلى تلك السعادة إن كانت الهموم والمشاكل العسيرة تفرض نفسها في حياتنا كضيف ثقيل غير مرغوب به، نتمنى من أعماقنا طرده من حياتنا إلى الأبد ولكنه يأبى الرحيل!!!

ويتساءل البعض: هل إن فكرنا بإيجابية وتجاهلنا الأحداث السلبية في حياتنا سيتغير الواقع؟ وهل يمكن لنا أن نفكر دائماً بإيجابية حتى وإن كان الواقع قاسياً فنخدع أنفسنا بوهم هذا التفاؤل المزيف؟

الإجابة المنطقية عن تلك التساؤلات تقول أن التفكير الإيجابي وحده لا يمكن أن يغير الواقع بالطبع، ولكنه يعطي صاحبه دفعة ليبحث دائماً عن الحلول، وعن الأمل أينما وجد، ويجعله يستنبط النواحي الإيجابية من حدوث أمر ما، والأهم من ذلك كله أنه يجعل صاحبه بحالة أفضل صحياً ومعنوياً. وعندما نتحدث عن التفكير الإيجابي نقصد الإيجابية المبنية على منطق سليم وليس إيجابية وهمية ساذجة لا تمت للواقع بصلة. ولكي يكون التفكير الإيجابي مبني على منطق سليم يقبله العقل ويتجاوب معه بأفكار فاعلة، يجب أن يكون لدى الشخص إدراكاً تاماً لحقيقة المشاكل التي تواجهه وكل أبعادها، ونظرة شمولية واسعة على كل الاحتمالات المنتظرة، ومن ثم يأتي دور التفكير الإيجابي في التعامل الحكيم مع الكرب والهموم حتى يتم التغلب عليها.

ولكي يكون الانسان قادراً على التعامل مع ظروفه بمرونة فهو يحتاج من دون أدنى شك لطاقة داخلية تعمل بمثابة محرك سحري لشحذ الهمم واستجماع القوى ليصبح فاعلاً إيجابياً مثابراً في حياته. ولكن من أين ستأتي هذه الطاقة إن كان الانسان غارقاً في التشاؤم والتحليلات السلبية؟! إن التفكير السلبي يسحب من الانسان طاقته، فيصبح مسلوب الإرادة ويقع ضحية للاكتئاب. لذلك على الانسان أن يعي خطورة طريقة تفكيره إن كانت تؤثر سلباً على معنوياته وشخصيته وطريقة تعامله مع المواقف.

يستطيع الانسان أن ينتشل نفسه من براثن التشاؤم والأفكار السلبية إن كان واعياً ومدركاً لأهمية السيطرة على أفكاره وإعادة توجيه عقله للاتجاه الصحيح.

إن التفكير ليس من ضمن الحركات اللا إرادية كالتنفس ونبض القلب وانقباض وانبساط العضلات أثناء الحركة… الخ، إنما هو بمحض إرادة الانسان ويتحكم فيه بوعيه واختياره فهو يستطيع أن يوقف سيل الهواجس المحبطة والأفكار السلبية التي تدفق في رأسه ويقاومها بصرف ذهنه عنها والتركيز في ما ينفعه ويبعث في نفسه الطمأنينة. بإمكانه أن يتعلم كيف يقلل من وقع المشاكل على نفسه، كيف يبسّط الأمور بدلاً من أن يزيدها تعقيداً.

الشخص الذكي هو الذي يحرص على صحته النفسية، ويحاول دعم نفسه بأي وسيلة ممكنة، ويبحث بكفاءة عن وسيلة للنجاة… إنه يقود عقله بمهارة ولا يستنزفه بالاسترسال مع الأفكار المحبطة. إنه يعلم كيف يواسي نفسه ويطبطب عليها ويضمد جراحه بالصبر والتفاؤل بغدٍ أفضل.

ونختم حديثنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب المؤمن من هم ولا غم ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه).

لانا حمزة

 

رسالة لكل مصدومة عاطفياً

%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%84%d9%83%d9%84-%d9%85%d8%b5%d8%af%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%81%d9%8a%d8%a7%d9%8b

لكل أنثى تعاني من صدمة عاطفية، لكل زهرة كسر قلبها غدر الشريك ورحيله… نوجه هذه الكلمات إليكِ علّها تكون سبباً في فتح صفحة جديدة في حياتك خالية من شوائب الذكريات المؤلمة:

احرصي على مشاعرك في تلك الفترة الحساسة ريثما تستعيدين توزانك من جديد، ركزي على نفسك وادعميها، اعتني بذاتك كما تعتني بأغلى شخص على قلبك.. لا تكوني حليفاً مع الظروف القاسية ضد نفسك، بل فاجئي نفسك بقوة لم تعتادي عليها قبلاً، قوة تأبى عليكِ الانكسار.

كوني مشغولة عنه بنفسك… تعافي منه، إذا راودتك فكرة عنه فقاوميها وبددي رغبتك في التفكير به بالانصراف لأي فكرة أخرى أو عمل آخر ينفعك. أنت من يقود تفكيرك وليس العكس. فلا تجعلي منه فكرة ملحة مسيطرة تفرض نفسها على عقلك وقاومي كل رغبة خبيثة بإغراق معنوياتك في بحر ذكرياته المؤلمة. لن يكون الأمر سهلاً إنما تستطعين الوصول إلى مرحلة التعافي من جرحه بإرادتك، بقوتك، بإصرارك على عدم السماح له بتخريب حياتك.

لا ترهقي عقلك في التساؤلات التي لا طائل منها. كيف فعل ذلك وكيف طاوعه قلبه وكيف….. دعكِ منه ومن قلبه، وركزي على ذاتك… ضعي في بالك أنك لست أول ولا آخر أنثى تتعرض لصدمة عاطفية، وأنك أنتِ المسؤولة عن إخراج نفسك من حالة الإحباط. هيا انهضي بنفسك وبمعنوياتك ولا تقييمي نفسك من خلاله.

كفي عن الانشغال به والحديث عنه فهذه أهم مراحل التعافي. أجبري نفسك على الانشغال بشيء آخر حتى تستعيدي توازنك النفسي. ونشدد على فكرة أننا نحن من نسيطر على أفكارنا وليس العكس وهذا يتطلب إرادة جادة منك للسيطرة على أفكارك.

ستقولين أن الكلام سهل ولكن التطبيق صعب جداً.. ونحن نقول لك: ومن قال أن الحياة لا يوجد فيها تحديات علينا أن نتعامل معها بوعي وإرادة قوية حتى نتجاوزها بنجاح بإذن الله.

دللي نفسك من دون شفقة على ذاتك. ولمَ تشفقين؟ أجمل جميلات العالم وأكثرهن تميزاً قد تعرضن لصدمات عاطفية فإياك أن تسترسلي بمشاعر رثاء الذات واعتبري أن ما حصل تجربة يجب عليكِ تعلم ما فيها لكي تصبحي أقوى وأفضل.

الله أرحم الراحمين فوقك وفوق الجميع. فتوكلي على الله، وفوضي أمورك إليه بقلب موقن برحمته وكرمه وادعيه أن يكشف ما بكِ من هم، ولا تنسي قوله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

عندما تلهثين وراء شريكك رغم تخليه الصريح عنك من دون وجود أي أسباب مقنعة تبرر له قراره، فأنتِ بذلك تمديه بجرعة ثقة بنفسه وتثبتين له ضعفك الشديد أمامه  وترسخي في ذهنه فكرة امتلاكه لقلبك وتفوقه عليكِ.

أو ممكن أن يكون أكثر رحمة وعطفاً من المثال الأول فيشفق عليكِ أنتِ الضائعة بدونه، أنتِ من تدفعين نفسك عليه وتحاولين الالتصاق به رغم هروبه. فيشعر بواجب إنساني ناحيتك لا أكثر ولا أقل…. من دون انجذاب لشخصيتك التي فقدت بريقها أمامه!!! فهل هذا الذي تريدينه؟ أن يشفق عليكِ مع تبخر الانجذاب بك؟ أم تريدين أن تكوني ملكة قلبه ومحبوبته الغالية الجذابة؟ كوني شامخة النفس لا ترضى لذاتها الهوان.. كوني جذابة بكبريائك، بعزة نفسك، بترفعك عن التوسلات لشخص لا يستحق سوى إهمالك.

ابتعدي بصمت إن هو استغنى عنك (من دون وجه حق)… لو تعلمي أثر الصمت لاستغنيتِ عن مهرجانات اللوم والعتب والتجريح وردات الفعل الغير محسوبة بعد الانفصال والتي لا تجدي سوى باستنفاذ طاقتك وانهيارك. إن للصمت مفعول أقوى من كل الكلمات لأنه سيعيدك لدائرة تفكيره مرغماً، فصمتك سيثير الحيرة في نفسه بلا شك.

عندما يتخلى عنك سوف يكون متهيئاً لردات فعل متعددة منك، وسوف يتفاجئ بهدوئك المربك وغموضك المحير. وقد يبرر صمتك بعدة احتمالات ترضي أنانيته….. إلا أن النتيجة في النهاية واحدة: أنتِ لم تلهثي وراءه وجعلتِ الغموض يلف موقفك وتحصنتِ بالكبرياء والصمت المشرف وتركتِ له التكهنات والتساؤلات. فإن كان لكِ في قلبه مكان فستزاح الستارة التي حجبتك عن قلبه وسوف تنتعش مشاعره تجاهك ويشعر بقيمتك وبشوقه لك. أما إن كنتِ فعلاً لا تعنيه فقد يكون انزعاجه مجرد أنانية وعدم قبول واقع أنك استغنيتي عنه. وفي كل الأحوال النتيجة في صالحك. فإن كان محباً ومشتاقاً سيعود في الظروف الملائمة التي يجب عليكِ تسهيلها إن التمستِ صدقه وندمه على أخطاءه، وفي الحالة الثانية تكوني قد تصرفتِ بحكمة وحفظتِ مكانتك التي لا يستحق أن يؤتمن عليها.

وفي النهاية ننصح كل أنثى كما فعلنا مراراً وتكراراً بتعزيز ثقتها في نفسها، فالثقة بالنفس هي التي تجعل من نفسيتك بناء حصين مضاد للاكتئاب وتجعلك أكثر قدرة على تخطي الصدمات.

ننوه أن كل النصائح السابقة نوجهها لمن تعاني من صدمة عاطفية بسبب غدر الشريك ورحيله بشكل جائر دون أن يكون على حق. أما في الأحوال الأخرى فنشجع بالتأكيد على السعي لكسب الشريك لأننا نؤمن وبشدة أن الصلح هو سيد الأحكام وأن محاولة الأنثى لاسترجاع رجلها هو أمر محمود وأنه يجب عليها إصلاح الأمور إن كان الشريك يستحق التمسك به وإعطاؤه فرصة أخرى. أنتِ القادرة على الحكم على شريكك واتخاذ الموقف المناسب ولكن في النهاية لا تخسري بكل الأحوال كبرياء أنوثتك وتحلي بالإيمان والقوة والله الموفق.

لانا حمزة

تم نشر هذا المقال سابقاً في موقع أنا زهرة بتاريخ 08/12/2014

احترام الاختلاف

%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81

 

لأننا نبحث عن مفاتيح السعادة بجميع أشكالها، نحتاج أن نكشف النقاب عن أسباب التعاسة صغيرةً كانت أم كبيرة.. لنستفيق من غفلتنا، ونتحرر من الشوائب الخبيثة التي لوثت حياتنا وحجبت عنا حقائق إن أدركناها لشعرنا بالطمأنينة والسلام الداخلي الذي ننشده.

والمشكلة التي نناقشها اليوم هي شيوع التنافر وعدم تقبل الآخر وتعصب كل ذي رأي لرأيه، ومن ثم الشعور الدائم بالسخط والقهر من الآخرين لاختلافهم وتباعد قناعاتهم.

إن أول خطوة يجب أن يقوم بها المرء من أجل نفسه أولاً وحرصاً على سلامه الداخلي أن يقتنع بضرورة احترام الطرف الآخر باختلافه ولا ينصب نفسه قاضياً عليه فلا أحد يمتلك حق فرض رأيه وقناعاته على الآخرين.

لسنا بمطلعين على القلوب والضمائر، ولا يمكن لنا أن نعلم ما تكتمه النفوس. نظرتنا دائماً قاصرة مبنية على المظاهر التي قد تكون خادعة أو على التصرفات التي قد يكون وراءها أسباب لا نعلمها. ليست مهمتنا إطلاق الأحكام وتوزيع الألقاب على الناس. فليركز كل منا على ذاته ويترك الخلق لرب الخلق.

لو اتبع الانسان فطرته منزوعةً من الدسائس الفكرية التي اتسحوذت على عقله لوجدت قلبه يدله على الرحمة والتسامح والإشفاق على أهل الغفلة، والسعي للألفة وليس الاختلاف والانتقاد، والميل إلى الإنس بالجماعة ولم الشمل وليس التفرقة والانعزال. وكما قال الإمام الشافعي: (لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات، فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف. ولا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها، فربما تحتاج إليها للعودة يوماً ما. دائماً اكره الخطأ، لكن لا تكره المخطئ. أبغض بكل قلبك المعصية، لكن سامح وارحم العاصي، انتقد القول، لكن احترم القائل.. فإن مهمتنا هي أن نقضي على المرض، لا على المرضى).

يضيع الانسان طاقته ووقته بالانشغال في تفاصيل صغيرة لا تخصه، ولا يدرك أنه لو طهر قلبه وركز على ذاته واستغل طاقته بتطوير نفسه لأتاه الخير من كل جانب.

ولو سألنا أنفسنا كيف تبنى البيوت السعيدة؟ لوجدنا أن الإجابة البديهية هي بالاندماج والإلفة بين أفراد الأسرة الواحدة. فينشأ جيل متوازن نفسياً ترعرع على قيم الخير والمحبة والإحسان.

إنها البذرة الأولى التي تزرع في نفوسنا منذ الصغر ثم تنمو رويداً رويداً حتى تتبلور وتتضح وتحدد قناعاتنا التي تشكل دافعاً أساسياً لسلوكياتنا. فماذا عسانا أن نتوقع من جيل نشأ على انتقاد الآخرين والتحيز لفئة دون أخرى؟

فلننشر ثقافة التسامح والرحمة والإنسانية والمرونة في تقبل فكر الآخر. فلنتبنى جميعاً ذلك السلوك الراقي الذي ينأى بصاحبه عن تحقير الآخر وإهانته.

ونختم مقالنا بنصيحة لكل فرد: أحب الخير لنفسك واسعى له، وركز على ذاتك، ولا تهدر طاقتك في محاولة إثبات أن الآخر على خطأ. بل تمسك أنت بالحق والصواب، ودعك من الالتفات لهفوات الآخرين.

لانا حمزة