لا أحد منا يعلم ما يحمله الغيب له.. إنه مجهول، غير مُدرَك، لا يمكن لنا الإطلاع عليه…. فهل سيكون كما نريد أو كما نتوقع؟ لا إجابة هناك… مهما سعى الإنسان للتخطيط الصحيح في حياته ليصبح المستقبل مضمون كناتج طبيعي لجهوده وتخطيطه الدقيق. فلا ضمانات في الحياة، ولا أحد منا يملك مفاتيح الغيب.
معظم الناس يهابون المجهول وما يحمله لهم المستقبل، فالفقير يخاف من استمرار فقره وازدياد فاقته، وصاحب النعمة يخاف من فقدانها والحرمان منها بعدما تعلق بها…
والسؤال هنا؟ لماذا نترقب السوء؟ لماذا نصر على صنع شبح نخاف منه؟
ليت الانسان يتعلم كيف يتمتع بالنعم التي خصه الله بها، ويحسن استغلالها، ولا يهدرها بالخوف من فقدها وترقب انقلاب الأحوال. ولِمَ هذا التشاؤم؟ أليس من الأفضل له أن يكون شاكراً ممتناً ويفكر بأحسن الطرق لاستثمار النعم بما يرضي الله وينفع بها كل من يستطيع؟
فلنتفكر في قوله تعالى: (ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) (الأنفال-53) ومعنى الآية الكريمة أن الله إذا أنعم على قوم بنعمة لم يسلبها منهم حتى يغيروا حالهم من الطيب إلى السيء. فإن كانوا من أهل الخير ولم يطغوا ويتجبروا بما آتاهم الله فلمَ يتوقعون السوء؟
ولنتوقف أيضاً عند قوله تعالى: (ما يفعلُ اللهُ بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللهُ شاكراً عليماً) (النساء-147). فهذه الآية الكريمة هي بشرى للشاكرين والمؤمنين ليطمئنوا ولا يخافوا من أي شيء ما داموا كذلك.
أما الذي يمر بحالة ضيق وحزن ويخشى استمرار حالة الكرب وعدم حصول الفرج نقول له قاوم مخاوفك بحسن الظن بالله وتذكر قوله تعالى: (فإنَّ مع العسر يسراً، إنَّ مع العسر يسراً) (الشرح-5) اطمئن لوعد الله بحصول الفرج بعد الضيق، وترقَّب الخير دائماً فهو آتِ لا محالة لأهل الحق والإحسان.
الاطمئنان للقدر وعدم القلق منه هو نتيجة طبيعية للإيمان المتزن السليم، واليقين بعدل الله، والاطمئنان التام لحكمته، والرضا بأحكامه. فالمؤمن يعلم كل العلم أن أمره كله خير، وأنه لن يُظلم مثقال ذرة، وأن عمله سيرد إليه، فإن كان هو من أهل الخير فلم يترقب عكس ذلك؟
نؤكد على أهمية التخطيط للمستقبل وضرورة وجود رؤية واضحة لما يود الانسان فعله في حياته مع السعي الجاد لتحقيق أحلامه إلى واقع ملموس ومُرضي. إنما الفكرة المراد إيصالها أن المعطيات الحالية لا تحدد المستقبل بشكل دقيق على الإطلاق. فغيبية المستقبل تعني أننا لا يمكن لنا أن نتوقع ما الذي سيتغير في الواقع من أمور. فكم من ناجح تعرض لسقوط مدوي وكم من فاشل ومتعثر انقلبت أحواله من الشدة إلى الرخاء. وكم من دولة كانت تعيش في كنف الأمن وتحولت إلى دولة حروب وصراعات لا تنتهي…. الخ
ورغم إدراك الجميع أننا لا نملك المستقبل ولا علم لدينا بما يحمله من أحداث إلا أن الانسان لا يتوقف عن ربط الظروف الراهنة بالمستقبل ويتجاهل تماماً أن الأقدار تحمل معها الكثير من المفاجآت والتغيرات الجذرية حيناً والجزئية حيناً آخر. والانسان بطبعه عجول ويطلق الأحكام سريعاً فيغلبه الحزن والتشاؤم بسبب مجريات سلبية تحدث في الوقت الحاضر.
الحقيقة الواضحة أن الواقع يتغير، ولا يدوم إلا الله عز وجل…
عليك الأخذ بالأسباب والسعي الجاد للتطور نحو الأفضل واجتهادك لا بد أن يعود عليك بالنفع، ولكن السر يكمن في بركة الله وتوفيقه. فكن من أهل الله وتوكل عليه بقلب نقي مطمئن لرحمته وانطلق في مسيرتك نحو مستقبل أفضل ولتكن إرادتك حديدية وطاقتك مشحونة دائماً بالتفاؤل وحسن الظن بالله.
لانا حمزة