الفرح المذموم

كما يتعجل بعض الناس في إطلاق حكم شمولي اعتماداً على ظروف راهنة، ويغلبهم اليأس والإحباط ويبدؤون في التذمر من الظلم وغياب العدالة وكأن الحقيقة كلها تكمن في هذا الإطار الضيق الذي ينظرون من خلاله، يتسرع بعضهم إيضاً في استجابته للأحداث الراهنة ويطلق العنان لشر نفسه لتأخذه نشوة الفرح المذموم… وهو الشماتة ببلايا الناس.

والعجيب في أمر الشماتة أن يفرح الإنسان في عافيته مقابل ابتلاء غيره، متناسياً أنه لا يمتلك الحصانة من تقلبات القدر وأحداثه الفجائية.. وأن ما يحصل لأحدهم اليوم قد يحدث معه غداً!! وللأسف الشديد، فالانقسامات الفكرية والاختلافات الشخصية قد تجعل الشماتة متصدرة قلوب المختلفين، فكل بلاء ينزل على الطرف الآخر هو مصدر سعادة وبهجة وارتياح لمن يخالفهم، حتى لو كان هذا البلاء يحصد أطفالاً أبرياء لا ذنب لهم، أو يتسبب في حدوث كارثة إنسانية على جميع المقاييس.. والضمير الانساني لهؤلاء الشامتين غارق في سُبات تام، وكل طرف يظن أن له مبرراته التي تسوغ له الرقص على آلام الآخرين.

كلنا نحتاج لحماية أنفسنا من الصدمات والانكسارات وكل ما يجرح القلب ويؤذي الشعور… وفي ظل خوفنا الدائم على مشاعرنا قد نغفل عن الالتفات لمشاعر الآخرين… قد نتهاون في ضبط أفكارنا وإعادة توجيهها للمسار الصحيح! فعلى كل منا أن يصلح سريرته، وألّا يمكِّن الغل والحقد من نفسه، علينا أن نسعى لتطهير قلوبنا من كل المشاعر الخبيثة التي تقتل إنسانيتنا وإحساسنا بالآخر.

ما من أحد لم يجرب مرارة الحزن ولو بدرجات متفاوتة… منهم من يرتقي به الألم ليشعر بمعاناة الآخرين فيخرج من محنته سالماً وظافراً برضا الله ونصره، ومنهم من ينحط به لدرجة الغل والحقد والكراهية وتمني زوال النعم لغيره حتى يرتاح ويشعر بالتساوي مع الآخرين بتفكيره القاصر، ولن يزداد بنيته إلا خسارة.

تجمعنا هنا بحثاً عن السعادة، ولا يمكن لأحدنا أن يشعر بالسعادة ما لم يحدث التناغم والتوافق بين باطن الانسان وظاهره، بين سريرته وعلانيته، بين ضميره وأفعاله… فيتحقق بذلك الرضا الذاتي والسلام الداخلي. فصاحب القلب النقي يتوقع الخير لنفسه لأنه مطمئن لسلامة نيته ومستبشر برحمة ربه به.

فهنيئاً لأصحاب القلوب النقية… الذين يتحرون أسباب النجاة والعافية والرزق دون الالتفات لغيرهم بالحقد على أصحاب النعم، أو الشماتة بأصحاب الابتلاء. إنهم متصالحون مع ذواتهم ويعلمون أن الحكمة الإلهية تقود هذا الكون، وأن دورنا هو أن نمضي في طريقنا بثبات على الحق وتمسك بقيم الخير لا أن نتهاوى في غابات التنافس الدنيء الذي يوهم المرء بأن نجاحه مرتبط بفشل الآخرين… ولا ننسى أن الأيام دول وأن أعمالنا ترد إلينا، فلا نفرح بما يسيء غيرنا ولا نستهين بآلام الآخرين.. وكما يقول بيت الشعر         (وقل للشامتين صبراً فإن نوائب الدنيا تدور  …  إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم).

لانا حمزة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *